تتسارع الاحداث في مصر في جميع الاتجاهات و يلهث المتابع تحت وطأة المتابعة
التي لا تهدأ و لو للحظة و علي
الرغم من ذلك ، تظل بعض القضايا موسمية ، علي الرغم من اهميتها و ثقلها. هذا ملخص
لوضع القضية النوبية في الشأن العام
المصري. فعلي الرغم من ان النوبة جرح لم يندمل بعد، الا انها لا تلقي الاهتمام
اللازم من النخبة السياسية و تثار فقط عند الاستحقاقات السياسية. من الطبيعي بل و
من المشروع ان يتزلف الساسة للنوبيين ، فهم كتلة تصويتية لا يستهان بها ، و ان كنت
لا املك رقما للنوبيين ، فتعداد النوبيين " سر عسكري" لا يمكن الإفصاح
عنه . اضف الي ذلك ان النوبة مثال للفكر العصبوي و القبلي فمن السهل تنظيمه و
توحيده سياسيا ، حيث يمارس كبار العائلات
ادارة العملية السياسية و يعتبروا " القادة الطبيعيين " للنوبة ، و
دائما ما تطبق الافكار الابوية التي تستبعد الاصغر سنا و النساء عن دائرة اتخاذ
القرار. الي جانب تعامل البعض مع القضايا علي انها "دكانة " و هولاء
دائما ما يتحولوا الي " متحدثين رسميين حصريين" عن القضية التي تهم
ملايين النوبيين و كأنهم امتلكوا صك تفويض من الجميع.
اليوم كان يوما عصبيا علي ، فاليوم تعاملت و لاول مرة النوبيين العاملين في
العمل العام المختلفين معي في التوجه و السن،
بدون رتوش المودة و اللطف .و قد
اثارت احداث اليوم العديد من الافكار و الشجون في عقلي . دعوني احكي لكم عن خلفية
اليوم . جاءت احداث اليوم في خلفية اساءة عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية و
العدالة للنوبيين ، حيث وصفهم بانهم " غزاة". قد يتجادل البعض في مدي مصداقية هذه المقولة و
قد يعلل البعض ان النوبيين حكموا مصر بالفعل. و لكن بالنسبة لي كدارسة علوم
سياسية لا اتوقف عن استخدام اقتراب تحليل
المضمون ، و مفاده طرح سؤال من قال ماذا كيف و لماذا . القائل في هذا الحالة سياسي
محنك كتب مقال و من المؤكد انه راجعها علي الاقل لغويا و من المفترض انه علي القدر
الادني من الوعي الذي يسمح له بمعرفة ان الاسر النوبية تعد ضمن التاريخ المصري و
الا لما تعتبر جزء من ال 30 اسرة التي يتكون منها التاريخ الفرعوني. و انتقل لسؤال ماذا، صرح العريان اننا غزاة و
هذا يتضمن في باطنه انك خارج اللحمة المصرية و انك غريب عنها، اما عن سؤال كيف
فالعريان ساوي بين النوبيين و كل غزاة مصر و هذا غير حقيقي لان النوبيين اتوا الي
مصر في لحظة اضحملال و احترموا عاداتها ، و اضف الي ذلك ان من النوبة انطلق احمس و
سانده النوبيون لاستعادة مصر من براثن الهكسوس. و اخيرا لماذا، العريان صرح تصريحا
لا اري له هذفا الا استعداء ابناء مصر علي فصيل من المصريين ، فاذا نعت العريان النوبيين
بالغزاة و ما الغزاة الا غلاظ القلب ، يأتوا علي الاخضر و اليابس ، فاي صورة ممكن
ان تكون في عقل من يقرأ هذا الوصف.
و مرت ايام كثيرة و ابدي الكثيرين غضبهم ، الا ان الجهود كانت فردية و
مبعثرة. و لم يقم النادي النوبي باي حركة جدية سوي نشر بيانات الشجب و الاستنكار و
التهديد التي لا تحرك ساكن. و من الغريب مثلا ان في جولة محمد مرسي مرشح الحرية و العدالة في اسوان ،اعتذر صفوت حجازي عن اساءة العريان و هو بالنسبة لي شئ غير منطقي بل و هزلي،
فانا لا اجد اي سبب منطقي يمنع العريان ان يتعذر بنفسه عما بدر منه هو . و توالت الاحداث و قام بعض اعضاء جماعة الاخوان النوبيين بالتحرك لتحسين
منظر الجماعة و كانت طريقة رأب الصدع بالنسبة لهم ان يستضاف العريان في النادي
النوبي العام ، الممثل المنتخب للنوبيين و ليعتذر عما بدر منه. و تم الاعلان عن مؤتمر
للاستضافة العريان اليوم الموافق 18 مايو 2012. و قد اثار ذلك غضب في قطاعات نوبية
عديدة ، اهمها الشباب النوبي. و عكس تكاسل النادي النوبي ، تحرك الشباب بسرعة و
انشأوا صفحة بمبادرة من الناشط النوبي رامي يحي ، تحت اسم "نرفض استقبال العريان " . هنا تنتهي الخلفية عن اليوم.
اما عن اليوم نفسه، تكتل الشباب باعداد لا تتجاوز العشرين رافضين السماح
للعريان بدخول النادي ، فمن الغير منطقي ان يسبنا علي موقع قطاع الاخبار المصري
الذي يتصفحه الملايين و يعتذر في النادي امام عشرات النوبيين. في البداية توجه
الكبار الي الذكور و كنت وحدي انا و زميلتي ريم بشيري ، و كانوا يتجاهلونا بشكل
واضح و ممنهج و المبرر الوحيد الذي غزي عقلي ، اننا نساء ليس لنا شأن بالسياسة و
هذا ما تم نفيه في نفس اللحظة ، حيث ثارت ريم لكرامتها و بدأت تفند ارائهم المهادنة
التي يحلو لهم وصفها بالدبلوماسية و اللباقة . و قد اصابتني العدوي و عبرت عما
يجول بعقلي كما افعل دائما بحدة و عنف . رأيت ديناميكات العلاقات شديدة الوضوح ، النجوم
لم يهتموا بالحوار و كانوا يراقبون من نافذة النادي بحللهم شديدة الفخامة و
يتحدثوا بلا توقف في الهاتف كما انهم يديروا مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية .
كذلك بدت لي امور بفجاجة شديدة و منها علي سبيل المثال تقديس النوبيين لكبير السن ، لدرجة ان مجرد ابداء شاب /ة لرأيها
تؤدي الي مشكلة ، علي الرغم ان من اهم
مواصفات العمل العام صراع الاجيال ، حيث
يري الكبار انهم افنوا حياتهم في النضال من اجل القضية و الشباب لم يقدموا ما قدموه من تضحيات و كان
ذلك حين قال لي احدهم : " كنت فين من عشر سنين، عملتي ايه للنوبة" ، بغض
النظر عن المزايدات الرخيصة الا ان فكرة التفضل بواجبك فكرة لا يستسيغها
العقل. و توالت التعليقات مثل " دي
اخلاق النوبة يناتنا صوتهم يعلي!!!" و تعليقات اخري علي شاكلة " عيب انا
قد ابوكي يا بنتي " و قليل ما اشتبك
اي منهم مع مضمون ما اقوله . و اخر تخيل انه اذا رفع صوته امامي سيرهبني ، للاسف
اكتشف بالدليل القطعي انه يتعامل مع الشخص الخطأ، و كذلك حينما اقترب احدهم من رامي
الذي بادر بفكرة منع العريان قائلا" ما تمشي البنات ، عيب كدة ، شكلنا ايه
قدام العمارة" . و نهاية كانت اسخف
المزايدات من الاخوان النوبيين " انتوا كارهين عصام العريان عشان اخوان"
و كان الرد المفهم لاحد الشباب " لو اكبر راس في اليسار غلط ما يلزمنيش"
و اختتمت الاساءات بالقول " الله يحرق الثورة اللي طلعت علينا الاشكال دي" . بالنسبة لي عوامل النوع و السن و
الايدولوجية كانت العوامل الفاصلة في الحوارات، هذا الي جانب قيد الهيراركية و التراتبية التي تجعلنا نعبد الابنية علي الرغم من انها لم تنجح يوما في ان تحتوينا و تعبر عننا.
المهم انتهينا الي ان تم الاتصال بالعريان لاعتذار عن استقباله و هو نصر قصير المدي للشباب
و لكن يبقي الهدف هو الاعتذار في نفس مكان الاساءة و بنفس المساحة " بعد مرور
ما يقرب من عام علي الاساءة "، و كما
تقتضي قواعد النشر . و ما اطرحه علي عصام العريان الا يقتصر مقاله علي المديح و
العزف علي قلوب النوبيين ، ارجو منه توضيح موقفه و موقف حزب من قضية التعددية
العرقية و ايضاح اذا كانت مدرجة علي جدول الحزب ام لا و ان كانت كيف سيحققونها.
و لكن تبقي الغصة ، فالنادي النوبي
سيبقي في عيني مكان للمواءات السياسية و مكان للابوية التي تتجاهل الشباب و النساء
و مكان لا يحترم التعدد الفكري و الايدولوجي للنوبيين و مكان من السهل ان تزايد
فيه علي الاخرين و تغمرهم بوابل من الاحكام الاخلاقية. ببساطة النادي النوبي ليس
مكاني ، حتي اشعار اخر.
تحديث في 22 مايو:
عصام العريان يتحايل و يحول المشكلة من خصومة مع حماعة اثنية الي خصومة ايديولوجية ...مدعيا ان اليسار هو من اثار هذه الازمة و قرر الا يعتذر ...
لا تعتذر لتبقي الخصومة ابدية .....
تحديث في 22 مايو:
عصام العريان يتحايل و يحول المشكلة من خصومة مع حماعة اثنية الي خصومة ايديولوجية ...مدعيا ان اليسار هو من اثار هذه الازمة و قرر الا يعتذر ...
لا تعتذر لتبقي الخصومة ابدية .....
No comments:
Post a Comment