Sunday, June 3, 2012

عن الفعل واختيار المعارك .. والانتخابات الرئاسية

 
دي مقالة بقلم الغالية خلود صابر ..... تحلل موقفنا العسير ... ما بين المطرقة و السندان

منذ الأيام الأولي للثورة أدركت - وكثيرين مثلي -  أن الفرصة ربما تكون قد جاءت أخيرا للفعل ..... الفعل بمعناه المباشر... بمعني قدرتك علي التأثير في اللحظة الحالية... وأن تكون جزء من فرص ومسارات  تطرح  للمستقبل .. أن تكون قادرا علي رؤية تأثير هذا الفعل وتقييمه بشكل بسيط ومباشر.. كذلك ادركت أن فرصتي قد جاءت أخيرا لأكون جزء من كتلة ما تتحرك . وتقرر . وتفاوض وتختار.. كتلة لها إرادة تؤثر أيضا في اللحظة الحالية ..كأن تقرر البقاء في الميدان فتجبر مبارك علي التنحي .. شيء بهذا البساطة .. يمكنك من فهم مردود قراراتك .. وقوتك .. وتأثيرك ..
بعد رحيل مبارك أدركت أيضا أن السهل قد انتهي .. وأن وحدة الميدان واليوتوبيا التي قرر كل منا الاحتفاظ بصورة الميدان عليها .. كانت قد انتهت أيضا.. وأن الاختيارات الآن أعقد .. وأكثر جذرية . والمعارك المطروحة عديدة .. ولا يوجد لدي ضمانات واضحة أية معركة ستؤدي إلي أين.. الطرق كلها مفتوحة.. والاحتمالات متعددة .. ولا احد يعلم من من زملائه في الميدان سيختار أي الطرق أو من حتى سيقرر الانضمام .
18 شهر كل منا جرب فيها عدد من المسرات... بعض هذه المسارات حاول بناء أشكال تنظيمية جديدة خارج ما كان معتاد .. يقيدنا فيها ضعف خبراتنا التنظيمية ربما .. والأهم عجزنا أغلب الأحيان عن تحديد هويتها وإيجاد نقطة البدء  ذات الصلة باللحظة الراهنة أو إيجاد مشروع سياسي ما واضح المعالم  .. أو حتى تحديد جمهور مستهدف نحاول جذبه.. .... وبقت الأغلبية العظمي من هذه المجموعات  رهن رد الفعل لما يحدث خارجها. سواء كان هذا اعتصام في الميدان أو جدل حول نظام الانتخاب المناسب أو الاستفتاء أو هيكلة وزارة الداخلية أو حتى الانتخابات البرلمانية. . تستجيب هذه المجموعات للمهمة المطروحة عليها بشكل مرحلي ومع انتهائها تعود لترتيب أوراقها  وتبحث عن هدف جديد.. ودون وضوح المهمة العاجلة التي تنتظر الاستجابة إليها .. تظهر هذا المجموعات تخبط حقيقي في تحديد نقطة البدء والأولويات ..وهو التخبط المشروع للغاية في ظل التخبط العام ... وتغيير شروط اللعبة من لحظة لآخري  . ذلك كان عدا  بعض الاستثناءات التي استطاعت فيها بعض المجموعات ربط نفسها من اللحظة الأولي بهدف محدد ضيق  أو جمهور مستهدف واضح  ولكن ظل تحدي التأثير الأوسع لهذه المجموعات وارتباطها بالمسار العام للثورة محل تساؤل.
بعض أخر منا ... اختار الطرق الأكثر وضوحا .. سواء كان العمل الحزبي بمعناه الواضح والتقليدي.. مع ظهور أحزاب جديدة  أقرب إلينا  وتخاطب انحيازاتنا بشكل واضح. وربما لا استطيع الحكم بشكل مطلق علي تجارب أبناء جيلي في هذا البديل، إلا أنه يظل لدي الانطباع أن هؤلاء خاضوا معارك علي مستويات مختلفة داخل الكيانات الحزبية أثمرت في النهاية عن درجات متفاوتة جدا من النجاح والفشل.. لكنها لم تنجح في إقناعهم بأنهم يخوضون المعركة الصحيحة .
أما عن الأغلبية منا فقد اختارت الحل الأسهل – أو المتاح في أوقات أخري – وهو الاشتباك بالحركة الاحتجاجية الواسعة التي يقودها الشارع .. أن نصبح جزء من المزاج العام الغاضب والذي يطرح نفسه في مواجهة العسكر أحيانا .. النظام القديم .. القمع الأمني.. وفي أحيانا آخري في مواجهة القوي السياسية التقليدية ذاتها..  بعضنا اختار هذا المسار من اللحظات الأولي.. وبعضنا التحق بها بعد فشل التجارب  الأخرى.. وبعضنا استطاع الجمع بينه وبين مسارات آخري موازية... والأهم أن هذا المسار ذاته كان يفرض نفسه علي الجميع في لحظات ... خاصة مع تصاعد موجة العنف في أحيانا كثيرة والتي تجعل الحلول السياسية الأكثر عقلا وهدوءا  هي في حقيقة الأمر رفاهية  لا نملكها .
كغيري انتظرت الانتخابات الرئاسية .. ليس باعتبارها معركة انتصار الثورة .. ولكن باعتبارها إمكانية لتصحيح المسار .. خلق مجال جديد بعيدا عن كل إرهاق وتخبط العام الماضي.. مساحة سنملك بعدها رفاهية اختيار معاركنا، ومع بعض الحظ والاستفادة من دروس العام سننجح  في اختيار بعض المعارك الصحيحة،  كالجميع أحبطت من النتيجة في البداية .. بشكل أساسي لكون الحل الأفضل كان ممكن وقريب.. والأهم لإحساسي بأن تلك المعركة لم تعد تعنيني في شيء .. وكل الجدل الدائر والمسيطر علي الساحة حول أيهما (  أرحم ) أو أقل خطرا علي مسار الثورة هو فعلا جدل  لا يعنيني في شئ .. لأسباب عدة لا مجال لها الآن.. الاثنين فعلا خارج معسكري تماما .. وأبعد حتى من قدرتي علي تقديم بعض التنازلات.. ولأسباب عدة ايضا أصبح كوني في المعسكر  المضاد لمن هو قادم هو أمري حتمي .. قررت أن انفصل عن المعركة بشروطها تلك . وأن ارتب أوراقي وأبحث عن معركة جديدة ... ومع هوسي بضرورة الدقة في اختيار هذه المعركة .. ومع كل هذا المجهود الذي ابذله يوميا لتجاهل سخافة اللحظة .. بدأت أدرك فعلا أن الدنيا أكثر رحابة مما اعتقد .. وأني لا احتاج أن أضع علي نفسي كل هذا العبء والذنب ... وأن الموضوع متجاوز بكثير أية قرارات  بالتفاؤل أو التشاؤم .. وبالتأكيد متجاوز أيضا من سيكون الرئيس القادم .. بعيدا عن كل دعوات التفاؤل بكون الثورة مستمرة .. وبعيدا عن كل مظاهر " الولولة"  بضياع الثورة... بعيدا عن كل هذا.. فأن مجال الحركة والفعل الذي كنت انتظره من الانتخابات الرئاسية قد خلق بالفعل... ومن هم داخل هذا المجال أكبر بكثير وأكثر تنوعا ومرونة مني ومن كل من حولي .
 العام السابق بكل ثقله قد ساعد في تمهيد ساحة الحركة .. والتي لم تكن ستخلق أبدا كنتيجة مباشرة ال 18 يوم وسقوط مبارك ... دون المعارك الآخري الصغيرة والكبيرة التي تلتها .. تلك المعارك هي ما  كسر – أو ما فتح الباب لتكسير – كل الثوابت المستقرة التي كانت تغلق مجالات الحركة ... كسر هيبة المؤسسة العسكرية وقدسيتها . وكسر قدسية من يتكلم باسم الدين .. وكسر هيبة منصب الرئيس وتجاوز عزلة وانغلاق وتعالي الأيدلوجيات السياسية  ..العام السابق بكل ما فيه جعل احتمالية  الفعل ممكنة بعيدا عن رومانسية ال 18 يوم ... حتى لو لم ينتج عن هذا الفعل حتي الآن مكسب مضمون حالا.. المهم أنه أزال من علي النخبة عبء وحرج أنها يجب أن تكون الفاعل .. ويجب دائما أن تقرر المعركة ذات الصلة التي تتحرك فيها. والأهم أيضا أنه جعل كل الرهانات والإمكانات مفتوحة ..
أغلب من في النخبة اختار أبو الفتوح . ومن خارجها اختار حمدين صباحي .. عبقرية هذه الرسالة – بصرف النظر عن تقييم تجربة دعم أبو الفتوح  – أنها أزالت من علي النخبة احتكار تحديد الرهانات والمعارك .. وفرضت علينا شروط جديدة للعبة ... طمأنتي بشكل الشخصي أن الدنيا أكثر رحابة مما أتصور.. والحدود التي كنت ارسمها لساحة المعركة وأطرافها هي في الحقيقة حدود زائفة .. وذكرتني في الوقت ذاته أن الوقت قد حان لأن نختار المعركة التي نريدها ونرتب أولويتنا ... ولا ننتظر الرئيس القادم لإسقاطه – وأنا في حقيقة الأمر غير معنية أبدا بإسقاطه أيا من كان – ولكن ما أعني به الآن هو أن أعيد استكشاف من معي في نفس الجبهة ..أن اخرج من دائرة رد الفعل وأحدد ما هو الفعل الذي أريد ن أقوم به.  وما هي المعارك المتاحة – طويلة الأمد – التي يمكن أن أختار فيما بينها . أختار أحداها واجذب لها من استطعت ممن جعلتني الانتخابات الرئاسية أدرك وجودهم وتعطشهم في أن ينزلوا أرض الملعب..  وأن اطمئن أيضا أني لست أنا ولا من حولي ولا عالمي الضيق – الحمد الله – من نحدد حدود وشروط اللعبة .. هناك في كل مكان آخرون يتحركون ويغامرون ويختارون ويصنعون معاركم .. وبقرار أن أكون متفائلة .. سندرك يوما أننا ستجد في النهاية المسار الصحيح.

No comments: