في مواقف ما يصعب علي المرء اتخاذ قرار حاسم ...
هذا ما اعانيه الان ، احاول ان اتحسس طريقي و انا متجهة الي لجنة الاقتراع
للتصويت علي دستور 2013. دعوني اخبركم لما اشعر بهذه الحيرة.
بادئ ذي بدء ، يتنازعني تيارين بين قبول الدستور لما جاء به من مواد تعد
مكاسب هامة و بعضها غير مسبوق لطبقات و فئات واسعة من المصريين، و تيار اخر رافض
لمواد لانها تحصر السلطة و سطوتها في
مؤسسات معينة و تجهض الكثير من احلامي و احلام ابناء جيلي .
موقفي اكثر تعقيدا لأنني شاركت بشكل مباشر في صياغة بعض مواد هذا الدستور،
و لا اخفي اني ارتبط بانتصارات لي و لبني قومي ، يعز علي ان اكون حجرة عثرة في
طريقهم ، لقد عملت بقرب و عن كثب مع فريق المكتب الاستشاري للأستاذ حجاج ادول ممثل
ابناء النوبة في لجنة صياغة الدستور ، المعروفة اعلاميا بلجنة الخمسين. شاهدت ،
كشاهد عيان كل الديناميكيات التي تمت حتى انتزع النوبيون بعضا مما لهم في ذمة
الوطن المصري بعد قرنا و خمسة عشر عاما من الاجحاف و الافقار المتعمد و التشريد و
لا اقول التهجير.
و حين تابعت المداولات في المجال العام و خاصة الفضاء الافتراضي عن اتجاهات
قبول او رفض الدستور ، هالني ان ما رأيت ،لكم عانيت و انا اري الجميع ينصب مجمل
اهتمام بنصوص في الدستور و يغفل نصوصا اخري تماما
، اني اؤمن بوحدة النص و انه بناء
كامل اذا اعتري جانبا منه عوار فعلينا ان نعترف بالعوار و كذلك علي الجانب الاخر
علينا ان نحتفي بخطوات شاسعة للامام في نصوص اخري.
دعوني اتحدث اولا عن اهمية ما توصل اليه النوبيون بواسطة مقاتلنا حجاج ادول
، ان تعترف الجمهورية العربية المصرية ،
انها متعددة الثقافات و ان لها وجه اسود افريقي موجود من آلاف السنين ، عاني اربع
تهجيرات قسرية و عاني من وطأة الاحتلال الاوربي مثل الكثير من الاثنيات الافريقية
و تقطعت اوصاره برسم خط عرض 22 ، قسم النوبة الي نوبتين، قسم قرية ادندان الي
جزء مصري و اخر سوداني . كنا كبش فداء من
اجل كل مشروع تنمية تبتعاه غير محسوبة، استيقظ اسلافي ليجدوا عنجاريبهم غارقة في
مياه النهر، لم تهتم الدولة ان تخبرهم بميعاد اغلاق الهويس ، ليلملموا شظاياهم و
يرحلوا . ثقافة تموت و لغة تندثر و تاريخ مدفون في اعمق غياهب سجن الذاكرة المصرية
الرسمية ، و نتجرع الي الان مرارة هزيمة اجدادنا امام الجيش "المصري"
المركزي.
كنا نحلم باحلام كثيرة جدا حين
وطأت اقدام ادول اللجنة ، ممثلا علنا ، حاملا تعب و مجهود و اسهامات عقود من مئات
بل الالاف من النوبيين الذين ساروا علي الدرب الي استكمل هو الخطوة الحالية و لا
اقول الاخيرة. طالبنا بحق العودة للارض
القديمة و تنمية مستدامة نشارك في تخطيطها و ابواب رزق في ارضنا تمكننا من العودة الفعلية
و ازالة القبضة الامنية السيادية . لعنتنا اننا ارض حدود . حلمنا بحفاظ تراثنا و
الاعتراف بلغتنا كل كلغة محلية و تدريس التاريخ النوبي كأحد حقب الحضارة المصرية.
و ان مصر بلد متعدد الثقافات .
و بعد نزاعات مع من لا يعرف معلومات كافية عن القضية النوبية و بين من يري
اي و كل شئ الا قضية سيادية امنية تهدد
"النسيج الوطني " و بين من عمي عن رؤية تنوع مصر. ظفرنا بعدة مكاسب و هي
اقرار حق العودة بخطة زمنية عشر سنوات كمهلة لتنفيذ مشروعات التنمية و اقرار
التعددية الثقافية و تجريم التمييز و خاصة علي اساس العرق و اللون و الاصل الجغرافي
و تعهد الدولة باقامة مشروعات تنمية في النوبة و سيناء و مطروح و ان تلتزم الدولة
بالحفاظ علي كل روافد الثقافة المصرية.
علينا ان نقف متأملين و نعي ان ما حصل عليه ابناء النوبة و سيناء و مطروح
تاريخي بكل المقاييس و بدون اي مزايدات . اولئك المنسيين الموجودين علي الاطراف ،
الذين يصدق فيهم تكلس نظرية الدولة المركزية ، زادهم القدر صعوبة علي صعوبة موقفهم
انهم يحملوا ثقافة فرعية مختلفة تتطلب تعامل سياسي و اقتصادي و انمائي و ثقافي
مختلف .
علينا ان ندرك ان ابناء سيناء ، الذين خليت بيوتهم من الرجال في 2005 بعد
تفجيرات شرم الشيخ لان الامن المصري الهمام اعتقلهم اعتقالات جماعية ، اولئك الذين
انتهكت حقوقهم لمجرد انهم رفعوا صيحتهم الشهيرة ( ودنا نعيش) ، تذكروا كيف عومل
ابناء سيناء من كل الدول البوليسية التي حكمت مصر ، كذلك الحل مع ابناء مطروح و كل
قاطني الساحل الشمال الغربي الذين تستنزف الالغام دمائهم و نحن نغض الطرف عن
معاناتهم و لا تلقي لهم الدولة بالا ، حيث يستحيل اقامة اي مشاريع نفعية تنموية في
اراضيهم ، و حتى ما يوجد من مشاريع و طرائق حياة لا يسمن و لا يغني من جوع .
هناك مصريين بالاسم و فقط و تشهد علي ذلك البطاقة الشخصية ، لكن السؤال
الحقيقي و المحك هل تراهم الدولة و تقوم بادوارها المنوطة بها تجاهم .. اعييت الدولة المركزية من عصور من
التجاهل و المواد السابق ذكرهم قد تكون بداية للتغيير اذا صدقت النوايا و توفرت
الارادة السياسية .
علينا ان نعي اننا في موقف زلق، لدينا حزمة تشريعية بها مجموعة حقوق وحريات
اجتهدنا و تضافرنا جميعا الي ان حصلنا عليها ، مثل اقرار الحد الادني و الاقصي
للاجور و اقرار احتكام غير المسلمين لشرائعهم و اقرار نظام ضمان اجتماعي لبعض
قطاعات الاقتصاد غير الرسمي و خاصة المزارعين. و علينا ان نحافظ علي هذا المكتسبات
لانها نتاج اعوام و عقود من العمل و علي الجانب الاخر هناك مواد معيقة لتطورنا مثل
مادة الازهر التي قد تحيلنا الي كهنوت مؤسسي بشع و اخيرا مادة المحاكمات العسكرية.
ان قاطعت و ان صوتت بلا ، اكتب في مذكرتك ما حصلنا عليه في دستور 2013 و
تذكره عن ظهر قلب ، لاننا حتما سنخوض معركة قريبة مع دستور جديد و دواليك.
#مقاطعين #ممتنعين
احتفظ بحقي في وجود خانة بيضاء في كل الاستفتاءات و الانتخابات القادمة
اهدي هذا المقال الي من لم اره
الجد محمد مختار سكوري ، من ترك ابريم في 1932
و جاء بابناء و البنات الي قاهرة ناسها
ارقد في سلام يا جد.
اخيرا ادرك البعض ان حقا و وطنا سلب منك.