لاني في نوبة غضب مرعبة قتلت فيها ما لا يقل عن 35363 بني ادم
"معنويا" يعني ، قررت اني اغير مزاجي و افتكر لحظاتي السعيدة . و احد
لحظاتي السعيدة السنة اللي فاتت كانت لما
قريت رواية الشمندورة .
كنت باسمع من عمي عباس عن الشمندورة و عينيه مليانة فخر و هو بيتكلم عن
اللي كاتبها ، ابو الادب النوبي محمد خليل قاسم . انا ادركت متأخرا ان عمي عباس
ممكن يكون متوحد مع قاسم لانه هو كمان مدرس تدرج في المناصب لغاية ما بقي ناظر و
هو كمان القيمة الاسمي في حياته العلم ودوره في الحياة انه ينقل العلم لغيره . و
عشان كدة كان بيحكي و هو منتشي و يقول : قاسم علم كل زمايله اللي معاه في السجن
الكتابة و القراية.
كنت اسمع من ناس كتير ازاي ان الشمندورة هي الحكاية اللي بترسم دقائق
الحياة النوبية قبل التهجير و للاسف كان صعب اوي اني الاقي نسخة لغاية ما نزلت
طبعة بعد الثورة في صيف 2011 و تكالب شباب النوبيين علي شرائها و نسفوها في اقل من
يومين . يومها كنت فرحانة ان هو افتكرني و كان لي نصيب في نسخة انا كمان .
بس روحت و انا سعيدة سعادة الطفل بلعبة جديدة و بدأت اقرأ مش بعيني بس .....
كنت عاوزة اشوف من خلالها البلد القديمة اللي مش مكتوب لنا نشوفها . مش عارفة ممكن
ابتدي منين عن الشمندورة اللي عنوانها عن الكرة اللي في المياة اللي بتبين ارتفاع
منسوب النيل اللي كانت بتعلي ايذانا بارتفاع المنسوب بسبب تعلية خزان اسوان .
الرواية بتدور احداثها في اوائل الثلاثينات و بتوصف معاناة النوبيين مع التعلية الثانية لخزان اسوان و بتوصف المجتمع النوبي اللي بيتمحور
حول النيل و انشطته الاقتصادية مرتبطة بالنيل زي الزرع و الصيد و حياته الاجتماعية
بتدور حوالين النيل .
لا انوي ان اتحدث عن كل الرواية لانني لست ناقدة ادبية و لكنني فقط اعلق علي
ما علق في ذهني و عذرا ان كنت لا اذكر الاسماء لانني احمل ذاكرة السمكة.
محمد خليل قاسم |
الرواية فيها تنويعة شخصيات ثرية منها التاجر اللي بيقايض المزارعين علي
بضاعته في مقابل زرعهم و دة مثال رأس المال في الرواية و اللي متجوز اتنين منهم
واحدة مريضة نفسيا. و فيها الصعيدي اللي بتظهر عليه كل العنصرية التي يحملها النوبيين
احيانا للاغراب و كان ذلك جليا في تصويره مغتصب او متحرش بفتاة صغيرة . كذلك احببت في الرواية
رسمها لعالم الصغار ببراءته و ان كان احد عوامل البراءة الرغبة في اكتشاف الجسد و
جسد النصف الاخر ، كم كانت عذبة كلمات قاسم و هو يصف المراهقين حين اجتمعوا بعيدا
عن الاعين و قرروا ان اليوم دخلة احداهم علي الفتاة التي سلبت عقولهم جميعا و
يستمر في السرد مظهرا رهافة حس الفتيان و الفتيات حتي في اول تجاربهم/ هن الجنسية.
احببت ان الصغار الذين سيكتبوا مستقبل النوبة كانوا ابطال الرواية، لمسني
بشدة سعي الصبي الحثيث ان يكمل تعليمه و غبطه علي غيرته من رفيقه الذي يذهب الي
المدرسة في الدر ، بذلك اثبت قاسم ان الوسيلة الوحيدة لانتقال الطبقي للنوبيين كان و
سيظل ابدا الارتقاء عبر التعليم .
و طبعا كنسوية تشدني صور النساء و لكني انزعجت جدا من توصيف الرواية لداريا
و هي الشخصية الوحيدة التي اتذكر اسمها و ابنتها التي احبها كل مراهقي القرية علي
انهن نساء جميلات في خطر لانهن بدون حماية رجل ، وصف قاسم لداريا و هي ترقص علي
انها ما زالت غضة و صبية رغم السنين ازعجني لانني تخيلتها في اراجيد و عيون الرجال
تخترق جسدها المتمايل علي انغام الشدو النوبي و كذلك زوجة ابن داريا "المصرية" التي
طالما وصفها قاسم علي انها فريسة جنسية لزوجها و ان ما يربطه بها حب في القلب منه
شهوة جنسية .
بعيدا عن الشخصيات كانت المواقف التي تسردها الرواية النسبة لي بعثا لحياة
لم اعشها، لن انسي اكثر الجمل التي حركت قلبي حين تكلم عامل التلغراف في الدر
قائلا : "الدر بتكلم مصر ..... ابريم بتكلم مصر .... بلدنا بتكلم مصر...." ايوة
بلدنا كلمت مصر بس مصر عمرها ما سمعت من بلدنا.
و كذلك الفرح الذي يصفه قاسم فتسمع ضرب الدفوف و صوت الزغاريد في اذنك ،
احببت طقوس لن اراها ، العريس الذي يباركه النهر ثم يزف مصحوبا الاغاني و الزغاريد
و يعطيه كل افراد العائلة هدايا كفيلة ببدء حياته الزوجية بدون اعباء ثقيلة و
انتهي الفرح حين وصل للبيت الذي تنتظره فيه العروس .
و اخيرا اصعب موقف في الرواية هو فتح اول قبر في الارض الجديدة ، الموت و
فقدان الاهل و الوطن كان هم ثقيل علي نفسي ، فما بالكم من عاشه او كتب عنه
ادعوكم لقراءة الشمندورة فهي رحلة ابحار في عالم
سحري دفئ ملئ بالتفاصيل