نبذة سريعة عن القضية النوبية:
هجر النوبيين 4 مرات في
القرن المنصرم في 1902 عند بناء خزان اسوان و1912 عند التعلية الاولي للخزان و1933 عند
تعلية خزان اسوان الثانية وأخيرا عند بناء السد العالي 1964، تاركين أراضيهم وبيوتهم
لبيوت نصف مشيدة في وادي كوم أمبو ومات حوالي 1500 طفل في التهجير القسري الأخير
من الجفاف ويرقدوا في مقابر الحضانة في قرية بلانة ومن ذلك الحين والقضية النوبية
ملف ساخن يطالب النوبيين بحقوقهم التاريخية دون كلل او ملل.
يتناول هذا المقال
التعويضات التي أعلنت عنها الدولة للنوبيين في عام 2019ردا وجبرا للضرر الذي لحق
بهم في التهجير القسري ابان بناء السد العالي. وعلاقتها بحق العودة الذي اقره
الدستور المصري 2014 في المادة 236. هل تكتفي الدولة بتعويض النوبيين وتغفل حق
العودة الذي كان يفترض ان يتم في الفترة من 2014 الي 2024. ومما يزيد الوضع سوءا اصدار القرار الجمهوري
444 الذي اقتطع 17 قرية من النوبة القديمة التي تقع على ضفاف بحيرة النوبة
المعروفة باسم بحيرة ناصر واعتبرها حدود عسكرية لا تصلح للسكني او للتنقل. بين
تعويض بخس وقرار جمهوري مجحف وحق عودة مهدور تدور مقالتي.
اسأل عدة أسئلة هل
التعويض ينفي ويلغي حق العودة الدستوري ولماذا اكتب هذا المقال في هذا الوقت بالذات
بسبب سعي النوبيين للحصول علي التعويضات رغم صعوبة الوصول اليها وهل هناك حل لدي
القضاء المصري للقضية النوبية ام من الأفضل اللجوء للقضاء الإقليمي.
اكتب هذا المقال للإجابة
على الأسئلة السابقة واكتبه الان لان الاف النوبيين يسعوا سعيا حثيثا للحصول علي التعويضات
منذ أعلنت الدولة عن التعويضات في 2019 و ما زالوا يجتهدوا في الحصول علي
التعويضات رغم صعوبة ذلك و رغم انها عملية تعجيزية.
فيما يتعلق بالتعويضات، بداية حصرت الدولة
النوبيين الذين لهم حق تعويض في عدد 5221 بيت و3500 فدان تضرر النوبيون من خسارتهم
ابان التهجير القسري في الستينات وهو حصر غير حقيقي وغير واقعي ترك الكثيرين بلا تعويضات.
واتسمت رحلة البحث عن التعويضات بالصعوبة الشديدة حيث يقوم الورثة باستخراج شهادات
وفاة لأهاليهم الذين عاصروا التهجير القسري واستخراج وثائق اعلام الوراثة للجدود
وتلك عملية شديدة التعقيد وتعجيزية للكثيرين. يخير النوبيون بين التعويض عن بيتهم بشقة
لا تباع ولا تؤجر ولا ترهن مما يفقدهم حق الملكية الفعلي وبين تعويض مادي بخس يقسم
على الورثة فينتهي الامر بهم لتقاضي فتات لا أكثر ولا اقل علما باننا نتحدث عن
جيلين من الورثة. استلم البعض بيوت في وادي كركر لكن أصحاب الأراضي الزراعية لم
يعوضوا كلهم باي شكل من الاشكال. في هذا الشأن تحاول الحكومة تفتيت النوبيين ككتلة
سكانية بإعطاء بعضهم شقق خارج محافظة اسوان مما يشكل خلخلة ديموغرافية للنوبيين.
تم تعويض بعض أصحاب
البيوت بمبلغ نقدي يقدر ب 225 ألف جنيه وهي قيمة شقة في الاسكان الاجتماعي عوضا عن
بيوت تزيد عن 400 متر مربع والفدان قدر بحوالي 25 ألف جنيه وعوض البعض في وادي
الامل وفورجندي.
من الجدير بالذكر ان
قوانين التعويضات التي اقرتها الحكومة في مراحل سابقة مثل القانون رقم 67 لسنة
1962 والقرار 106 لسنة 1962 لتعويض متضرري السد العالي والقانون 6 لسنة 1933
لتعويض التعلية الثانية لخزان اسوان. هذه القوانين تم الغائها ولم يشرع أي قانون
بديل للتعويضات وهذا عوار تشريعي وقد حاول النوبيون تقديم مشروع قانون بإنشاء هيئة
عليا لإعمار وتنمية وتوطين النوبيون في الأرض القديمة للنوبة على ضفاف البحيرة
وتسلمه البرلمان في دورة الانعقاد السابقة لكنه لم يناقش وقدم لدورة الانعقاد
الحالية ليحاول انهاء الخواء التشريعي المتعلق بالنوبة. ومن الغريب عدم وجود قانون
يحكم التعويضات مما يجعل الدولة تتصرف في أموال دون سند قانوني وهذا عوار تشريعي واضح،
يفتح الباب لإهدار المال العام بدون رقيب.
يتركز السؤال الأساسي
للمقال حول هل تنفذ الدولة حق العودة بعد تعويض النوبيين، هل تقوم بإنشاء البنية
التحتية اذانا بعودة النوبيين الي أراضيهم. تتمحور المشكلة في رغبة الدولة في
انهاء الملف النوبي بالتعويضات والغاء حق العودة وعدم بحثه الي اجل غير مسمي وتحكم
الجيش في الأراضي حول ضفاف النوبة وعدم عودة سكانها الأصليين. وتستنزف الدولة
الوقت لإنهاء المهلة الدستورية لحق العودة، فعلي الرغم من ان المادة 236 تنص على التالي:"تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية
الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة،
وذلك بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة
الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا
الدستور، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون. وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات
تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذي
ينظمه القانون." وكما يتضح من
المادة التي امهلت الحكومة عشر سنوات لإعادة النوبيين الي مناطقهم الاصلية. لم تقم
الدولة باي فعل او ممارسة تشهد باهتمامها بإعادة النوبيين، فقد مضت 7 سنوات دون ان تقوم الدولة بتنفيذ ما التزمت بها دستوريا في موضوع
حق العودة ولا حتى خططت للقيام بذلك بالعكس استولت على 17 قرية بموجب القرار
الجمهوري 444 الذي أطلق يد الجيش في أراضي نوبية حول بحيرة النوبة بدون السماح
بالسكني او التنقل فيها.
أتساءل هل في هذا الوقت الحرج الذي
يتسابق فيه النوبيين للحصول على أي حق ولو زهيد تطرحه الحكومة هل تنفي التعويضات حق
العودة. الإجابة النموذجية المرتكزة على الدستور، لا تنفي التعويضات وهي حق شخصي
حق العودة وهو حق جماعي او من حقوق الشعوب كما عرف الميثاق الافريقي لحقوق الانسان
والشعوب. لكن من الواضح ان الدولة لا تسعي وتقوم باي جهد لإعادة النوبيين الي
أماكنهم الاصلية وتحاول ان تلقي لهم تعويضات بخسة علي امل اسكاتهم والهائهم عن حق
العودة ولكن الحكومة تناست ان حق العودة حق اصيل للنوبيين لا يمكن اغفاله او
انكاره حتى بعد المهلة الدستورية.
اود ان اطرح فكرة لجوء النوبيين
للقضاء الدولي هل يعد ذلك تدويلا للقضية واستقواء بالخارج، اجابتي ان مصر وقعت على
ميثاق حقوق الانسان والشعوب الافريقي مما يخول المصريين من اللجوء لمحكمة الافريقية
لحقوق الانسان والشعوب. وليست القضية النوبية اول قضية تنظر امام المحكمة
الافريقية فقد قدمت قضية الأربعاء الأسود التي تعرضت فيها الصحفيات للتعدي الجنسي
في 2005. بسبب دراستي للقانون الدولي لحقوق الانسان اري في الاليات الإقليمية
لحقوق الانسان ملجأ في حالة فشل الاليات الوطنية من إقرار حقوق الافراد
والمجموعات. ولا اهتم بفزاعة التخوين والاستقواء بالخارج لإنها خطاب يتناسى حقوق
الافراد والمجموعات ويقيد أصحاب الحقوق في السعي لنيل حقوقهم. ارتبطت القضية
النوبية بفزاعة التدويل منذ حضور الاديب النوبي الكبير الأستاذ حجاج ادول لمؤتمر الأقليات
في عام 2005 ومنذ ذاك الحين يعتبر أي ظهور دولي للقضية استقواء وانا اري ذلك تضييق
وتقليل من الأدوات الشرعية التي يمكن ان ينتهجها النوبيين.
أتكلم في هذا المقال
بصفة الباحثة ولكن لقلبي رأي اخر. يحزنني ان تتعامل الدولة مع الملف النوبي بهذا
القدر من الاستخفاف والصلف. هل تعتقد الدولة اننا سنسكت عن حقنا المشروع في
تعويضات عادلة وإعادة اعمار لبيوت التهجير في كوم امبو وان نعود الي الأرض القديمة.
لا اعتقد اننا سنقف مكتوفي الايدي فلقد رفع المحاميون النوبيون دعوي امام المحكمة
الإدارية العليا على القرار 444 ومضت 6 سنوات وهو يتداول ولم تحسم القضية بعد. إذا
كانت الدولة تعتمد على سياسة إضاعة الوقت لتجاوز المدة الدستورية، لن تترك لنا
الدولة حل سوي التقاضي الدولي امام محكمة حقوق الانسان والشعوب الافريقية.
ان الوضع النوبي الحالي
بين حائر يجمع وثائق الجدود وبين تعويض بخس وبين بيوت تتهاوي في كوم امبو مكان
التهجير وبين ثقافة تندثر ولغة تفني. نهاية أؤكد ان حق التعويض حق فردي لا ينفي
الحق الجماعي في العودة وان تجاهلته الحكومة الحالية، سيبقي يلاحق الحكومات القادمة.
كفانا تهجيرا وبعدا ان ارضنا الاصلية، لقد تعبنا من الشتات الذي فرض علينا وضاع
لساننا بسبب عدم اهتمام الدولة بلغتنا المحلية على الرغم من تجربة اعتراف كلا من
الجزائر والمغرب باللغة الامازيغية. تأبي الدولة ان تعيدنا للأرض القديمة اما خوفا
على الامن القومي المصري من وجود اقلية على الحدود او رغبة في الاستيلاء على الأرض
لعرضها للمستثمرين. لكننا لن نقف صامتين امام هذه الانتهاكات وسنطرق أبواب القضاء
الوطني والإقليمي.
نوبة مالي سلام
يا نوبة لك كل السلام
No comments:
Post a Comment