Sunday, April 29, 2012

الشمندورة




لاني في نوبة غضب مرعبة قتلت فيها ما لا يقل عن 35363 بني ادم "معنويا" يعني ، قررت اني اغير مزاجي و افتكر لحظاتي السعيدة . و احد لحظاتي  السعيدة السنة اللي فاتت كانت لما قريت رواية الشمندورة .
كنت باسمع من عمي عباس عن الشمندورة و عينيه مليانة فخر و هو بيتكلم عن اللي كاتبها ، ابو الادب النوبي محمد خليل قاسم . انا ادركت متأخرا ان عمي عباس ممكن يكون متوحد مع قاسم لانه هو كمان مدرس تدرج في المناصب لغاية ما بقي ناظر و هو كمان القيمة الاسمي في حياته العلم ودوره في الحياة انه ينقل العلم لغيره . و عشان كدة كان بيحكي و هو منتشي و يقول : قاسم علم كل زمايله اللي معاه في السجن الكتابة و القراية.
كنت اسمع من ناس كتير ازاي ان الشمندورة هي الحكاية اللي بترسم دقائق الحياة النوبية قبل التهجير و للاسف كان صعب اوي اني الاقي نسخة لغاية ما نزلت طبعة بعد الثورة في صيف 2011 و تكالب شباب النوبيين علي شرائها و نسفوها في اقل من يومين . يومها كنت فرحانة ان هو  افتكرني و  كان لي نصيب في  نسخة انا كمان .
بس روحت و انا سعيدة سعادة الطفل بلعبة جديدة و بدأت اقرأ مش بعيني  بس ..... كنت عاوزة اشوف من خلالها البلد القديمة اللي مش مكتوب لنا نشوفها . مش عارفة ممكن ابتدي منين عن الشمندورة اللي عنوانها عن الكرة اللي في المياة اللي بتبين ارتفاع منسوب النيل اللي كانت بتعلي ايذانا بارتفاع المنسوب بسبب تعلية خزان اسوان . الرواية بتدور احداثها في اوائل الثلاثينات  و بتوصف معاناة النوبيين مع التعلية الثانية لخزان اسوان و بتوصف المجتمع النوبي اللي بيتمحور حول النيل و انشطته الاقتصادية مرتبطة بالنيل زي الزرع و الصيد و حياته الاجتماعية بتدور حوالين النيل .
لا انوي ان اتحدث عن كل الرواية لانني لست ناقدة ادبية و لكنني فقط اعلق علي ما علق في ذهني و عذرا ان كنت لا اذكر الاسماء لانني احمل ذاكرة السمكة.

محمد خليل قاسم
الرواية فيها تنويعة شخصيات ثرية منها التاجر اللي بيقايض المزارعين علي بضاعته في مقابل زرعهم و دة مثال رأس المال في الرواية و اللي متجوز اتنين منهم واحدة مريضة نفسيا. و فيها الصعيدي اللي بتظهر عليه  كل العنصرية التي يحملها النوبيين احيانا للاغراب و كان ذلك جليا في تصويره مغتصب  او متحرش بفتاة صغيرة . كذلك احببت في الرواية رسمها لعالم الصغار ببراءته و ان كان احد عوامل البراءة الرغبة في اكتشاف الجسد و جسد النصف الاخر ، كم كانت عذبة كلمات قاسم و هو يصف المراهقين حين اجتمعوا بعيدا عن الاعين و قرروا ان اليوم دخلة احداهم علي الفتاة التي سلبت عقولهم جميعا و يستمر في السرد مظهرا رهافة حس الفتيان و الفتيات حتي في اول تجاربهم/ هن الجنسية.
احببت ان الصغار الذين سيكتبوا مستقبل النوبة كانوا ابطال الرواية، لمسني بشدة سعي الصبي الحثيث ان يكمل تعليمه و غبطه علي  غيرته من رفيقه الذي يذهب الي المدرسة في الدر ،  بذلك اثبت قاسم ان الوسيلة الوحيدة لانتقال الطبقي للنوبيين كان و سيظل ابدا الارتقاء عبر التعليم .
و طبعا كنسوية تشدني صور النساء و لكني انزعجت جدا من توصيف الرواية لداريا و هي الشخصية الوحيدة التي اتذكر اسمها و ابنتها التي احبها كل مراهقي القرية علي انهن نساء جميلات في خطر لانهن بدون حماية رجل ، وصف قاسم لداريا و هي ترقص علي انها ما زالت غضة و صبية رغم السنين ازعجني لانني تخيلتها في اراجيد و عيون الرجال تخترق جسدها المتمايل علي انغام الشدو النوبي و كذلك زوجة ابن داريا "المصرية" التي طالما وصفها قاسم علي انها فريسة جنسية لزوجها و ان ما يربطه بها حب في القلب منه شهوة جنسية .
بعيدا عن الشخصيات كانت المواقف التي تسردها الرواية النسبة لي بعثا لحياة لم اعشها، لن انسي اكثر الجمل التي حركت قلبي حين تكلم عامل التلغراف في الدر قائلا : "الدر بتكلم مصر ..... ابريم بتكلم مصر .... بلدنا بتكلم مصر...." ايوة بلدنا كلمت مصر بس مصر عمرها ما سمعت من بلدنا.
و كذلك الفرح الذي يصفه قاسم فتسمع ضرب الدفوف و صوت الزغاريد في اذنك ، احببت طقوس لن اراها ، العريس الذي يباركه النهر ثم يزف مصحوبا الاغاني و الزغاريد و يعطيه كل افراد العائلة هدايا كفيلة ببدء حياته الزوجية بدون اعباء ثقيلة و انتهي الفرح حين وصل للبيت الذي تنتظره فيه العروس .
و اخيرا اصعب موقف في الرواية هو فتح اول قبر في الارض الجديدة ، الموت و فقدان الاهل و الوطن كان هم ثقيل علي نفسي ، فما بالكم من عاشه او كتب عنه
ادعوكم لقراءة الشمندورة فهي رحلة ابحار في عالم سحري دفئ ملئ بالتفاصيل

No comments: